عندما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن كان يقرؤه قراءة هادئة، مترسلة، حزينة كما أمره ربه {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106]، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4].
فكان يرتل السورة حتى تبدو وكأنها أطول من أطول منها.
وكان يمد الحروف في نهاية الآية ليسمح للعقل بتفهم الخطاب الإلهي، وللقلب بالتجاوب معه، والاتعاظ به، فإذا ما مر بآية فيها ذكر الجنة دعا واستبشر، وإذا مر بآية فيها ذكر النار استعاذ منها بالله.
ولقد وصفت السيدة أم سلمة - رضي الله عنها- قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها (قراءة مفسرة حرفًا حرفًا).
ووصفت السيدة عائشة - رضي الله عنها - ترتيله فقالت: لو أراد السامع أن يعد حروفه لعدها.
وفي حديث حفصة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها (رواه مسلم (1905، 1906، 1908).
وظل صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة يردد آية واحدة هي قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] (صحيح مسلم بشرح النووي 6/ 346).
ويصف لنا أبو ذر رضي الله عنه هذه الليلة فيقول:
صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة العشاء ثم رجع إلى أهله. فلما تكفأت عنه العيون رجع إلى مقامه فجئت فقمت خلفه قبل أن يركع، فأومأ إليَّ بيده فقمت عن يمينه، ثم جاء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقام خلفنا فأومأ إليه بيده فقام عن شماله - فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح يتلو آية واحدة من كتاب الله بها يركع، وبها يسجد، وبها يدعو حتى أصبح {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
فلما أصبح قلت لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا وكذا، فلو سألته عن ذلك. فقال عبد الله رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية واحدة بها تركع، وبها تسجد، وبها تدعو، وقد علمك الله القرآن كله. قال: «إني دعوت لأمتي» (أخرجه أبو داود (4734)، والترمذي (2925).).