دخل محمد المقهى فتفاجأ بإكتظاظه ، ووجد صعوبة كبيرة في إيجاد مكان ليجلس فيه ،
كانت العيون مركزة على جهاز التلفاز والرؤوس كأن عليها الطير ، ولا صوت إلا صوت المذيع ،
جلس محمد في المكان الذي وجد بعد أن سمع نهرا و زجرا ممن مر أمامهم ،
وشعر بسعادة غامرة ، فسوف يشاهد المباراة الحاسمة ، وإندمج في المباراة وتفاعل مع اللقطات ،
فأحيانا يشد شعره وأحيانا يصفق وأحيانا يهتف وأخرى يصرخ ... وهو على هذا الحال جلس بجانبه شخص وقال له :
- السلام عليك يا محمد .
- وعليكم السلام .
نظر إليه محمد نظرة سريعة ثم إلتفت إلى المباراة ، ولم يلق له بالا .
- لن تنهي المباراة يا محمد . ( إلتفت إليه محمد غاضبا ) .
- دعني أتابع يا هذا .
- يا محمد بدل أن تغضب ألم تتساءل : كيف أعرفك ؟
- لا يهمني ، دعني أرجوك دعني .
- أما عرفتني يا محمد ؟
أوه ، لم أعرفك ولا أعرفك ولا أريد أن أعرفك .
- يا محمد ، لقد حان الموعد الذي لا تنتظر والضيف الذي لا تحب إستضافته وملاقاته .
وقف محمد مقطبا صارخا والشرر يتطاير من عينيه وقال :
- يا لك من رجل مقيت ، أف عليك .
أمسك الرجل يده وقال : إجلس ، لن تتحرك من هنا وأجلسه ثم أردف قائلا :
- أنا ملك الموت ، لقد حانت ساعتك .
إإندهش محمد وإصفر وجهه وخارت قواه ومهمه بصوت خافت :
- من أنت ؟ ملك الموت .
- ملك الموت ، نعم أنظر إلي جيدا .
ونظر إليه جيدا فرأى علامات تدل على ذلك ، فقال :
لقد جاءت الموت بسرعة .
- نعم الموت سريع وكنت تأمل أن تموت شيخا .
- نعم .
- بل أقول لك يا محمد : ما كانت الموت تدور في خلدك وما فكرت فيها أبدا .
- أوه ، لقد صدقت ، ما كنت أظن أني سأموت .
- كل الناس مثلك غافلون عن أعظم حقيقة ..
لا يختلف عليها مؤمن ولا كافر ، صغير ولا كبير ، عالم ولا جاهل ، ويدركون أنها
حتما واقعة وأن موعدها مجهول متوقع في كل حين ، غافلون على أنهم سيموتون
بعد لحظة أو دقيقة أو ساعة أو يوم ، لو تأملوا حالهم لإنتظروني في كل لحظة .
- مجرد لحظة ، كل السنين مجرد لحظة .
- نعم ، أسألك : هل تستطيع أن تعود للماضي ؟
- لا ، ولا لحظة .
- فهل تضمن من المستقبل شيئا .
نظر إليه محمد وأغمض عينيه وتنفس بعمق .
- لا ، ولا لحظة .
- إذن فالعمر مجرد لحظة ولا تملك من عمرك إلا لحظة التي أنت فيها ، فاغتنم لحظتك فهي جنتك .