(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) البقرة 180
" لا يبين أحدكم إلا ووصيته عند رأسه "
إذا ذكرت أمام الإنسان كلمة الوصية تبادر إلى ذهنه الموت ، فتجد كثيرا من الناس يتشاءمون وينفرون من كلمة الوصية لأنها اقترنت بحقيقة الموت ، والذي يوجبه الإسلام على الإنسان أنه إذا دخل الليل كتب وصيته ووثقها قبل أن ينام ووقع عليها بشهود ووضح وبين معالمها .
أما عن نفور الناس من مسألة ذكر الوصية فإن هذا يرجع إلى الحجب التي تكون على القلب ، وقد سماها الله " الران " في قوله "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " المطففين 14 ، هذا الران هو حاجز يستاء به الإنسان من الإستماع إلى مثل هذه الكلمات ، وهذا من قبيل ركوب بحر الاماني ومن ركب بحر الأماني فإن معه رأس أموال المفاليس ، ومن يأمن الدنيا فهو متوهم وهو مثل القابض على الماء قد خانته فروج الأصابع ، والأصل في الإنسان يزهد في هذه الدنيا ، صحيح أن الله تعالى خلقنا وأباح لنا أن نتنعم فيها ، ولكن لا نجعلها في قلوبنا ، ولقد قال العلماء : إن الزهد أنواع ثلاثة : زهد العوام ، وزهد الخواص ، وزهد خواص الخواص .
زهد العوام أن يزهد الإنسان في الحرام ، فلا يكون له أمل فيه ، وزهد الخواص أن يزهد الإنسان في فضول الحلال والمباح ، وزهد خواص الخواص وهو الزهد فيما سوى الله ، وقد روي أن سيدنا عمر -رضي الله عنه- أمسك في يوم حار كوب ماء وضعوا له فيه عجوة (تمرة) لتبرد الماء ، فقربه ثم أعاد ، قالوا : ما هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : أخشى أن يقال لي يوم القيامة " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها " الأحقاف 20 .
.. / ..
يتبع