يمكن أن ينظر إلى توزُّع الملوحة في مياه البحار والمحيطات من منطلقين: الأول من منطلق التوزُّع الأفقي والثاني التوزُّع الرأسي مع العمق.
أ- التوزيع الأفقي لملوحة مياه البحار والمحيطات
يتأثر تركُّز الأملاح في الطبقة السطحية من مياه البحر بعدة عوامل وأهمها:
- معدلات التبخر المرتبطة بمعدلات درجات الحرارة والإشعاع الشمسي ورطوبة الهواء في الطبقة السفلية من الغلاف الغازي. ولا شك أن معدلات تبخر مياه
البحر تختلف باختلاف الموقع من دوائر العرض اختلاف الفصول.
- معدلات التساقط فكمية المياه العذبة المتساقطة على شكل مطر أو ثلج على مياه البحر ستؤثر في ملوحة الطبقة السطحية منها. ومعدلات التساقط، تختلف
بلاشك تبعاً لدوائر العرض والقرب أو البعد من السواحل القارية.
- التدفق النهري فكميات المياه التي تلقي بها الأنهار من اليابس على الهامش القاري في مياه البحر تؤثر في ملوحتها تأثيراً واضحاً.
- التيارات البحرية في المياه السطحية وما ينجم عنها من نقل وخلط للمياه البحرية السطحية من عروض مختلفة.
ننسبة 35 في الألف، من ملوحة مياه البحار، ليست إلا متوسط عام يراوح بين الزيادة والنقصان، تبعاً للمتغيرات المذكورة آنفاً. ففي القرب من خط الاستواء
حيث ترتفع معدلات التساقط، طول اليوم ينخفض متوسط ملوحة الطبقة السطحية لمياه البحر إلى 34 في الألف وذلك ناتج إلى جانب ارتفاع معدلات التساقط
من ركود الهواء وارتفاع الرطوبة النسبية فانخفاض معدلات التبخر وذلك على الرغم من الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة.
وفيالعروض المدارية شمال خط الاستواء وجنوبه حيث تسود الرياح البخارية وتصحو السماء وترتفع نسبة الإشعاع الشمسي وترتفع الحرارة وتنخفض
كميات التساقط انخفاضاً ملحوظاً وتنخفض رطوبة الهواء النسبية ـ ترتفع نسبة التبخر ارتفاعاً كبيراً يؤدي ازدياد تركُّز الأملاح في الطبقة السطحية من مياه المحيطات. ويصل معدل ملوحة المياه السطحية، في بحار هذه العروض ومحيطاتها إلى 37 في الألف إذ تبلغ في مياه المحيط الأطلسي 37.5 في الألف وفي المحيط الهادي 36.5 في الألف وفي المحيط الهندي 36 في الألف.
تنخفض الملوحة بالاتجاه نحو القطبين في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي نتيجة لاعتدال درجات الحرارة وانخفاض معدلات التبخر وازدياد كمية التساقط عنها في العروض المدارية. ولكن هذا النمط العام لتركُّز الملوحة في مياه البحار والمحيطات الذي يوافق دوائر العرض، يتعرض للكثير من التغيرات المحلية التي تؤثر فيه. ويتضح أثر هذه العوامل المؤثرة عند توقيع خطوط الملوحة المتساوية Isolhalines إذ يظهر جلياً أثر ذوبان الجليد، في العروض العليا في انخفاض معدلات الملوحة في بحارها، فتصل إلى33 في الألف، في البحر المتجمد الشمالي.
ويظهرأثر تدفق المياه النهرية في انخفاض الملوحة في مياه البحار والمحيطات قرب مصباتها. فالملوحة، في شمال خليج البنغال Bay of Bengal مثلاً تنخفض إلى 32 في الألف نتيجة لتدفق مياه نهري الكنج وبراهمايترا. وتنخفض الملوحة في المحيط الأطلسي أمام مصبي كل من نهر الكنغو ونهر الأمازون إذ تتدنى مستويات الملوحة إلى 15 في الألف أمام مصب الأمازون. ويكون تأثير مياه الأنهار في الملوحة أكثر وضوحاً في البحار والخلجان شبه المغلقة . ففي بحر البلطيق Baltic Sea مثلاً تنخفض الملوحة إلى درجات متدنية جداً فتناهز في المتوسط، ثلث ملوحة الأطلسي إذ تقدر الملوحة فيه بنحو 11 في الألف وخاصة في غربيه أمام سواحل السويد وتتناقص الملوحة فيه بالاتجاه نحو الشمال والغرب. وتبلغ ملوحة بحر البلطيق أدنى مستوى لها في خليج بوثنيا Gulf of Bothnia حيث لا تتجاوز 3 في الألف وذلك ناتج من تضافر عدد من العوامل أهمها: أن كثيراً من الأنهار تصب فيه وأن اتصاله ببحر الشمال North Sea محدود وأنه يمتد في عروض معتدلة وباردة تنخفض فيها معدلات التبخر. لذلك يندفع تيار من المياه السطحية، فتنخفض الملوحة على سطح مياه بحر الشمال في منطقة اتصاله ببحر البلطيق. ويندفق تيار من المياه الأعلى ملوحة في الأعماق من بحر الشمال نحو بحر البلطيق. ويشابه بحر البلطيق بحر أزوف Sea of Azov، الذي يتصل بالبحر الأسود Black Sea اتصالاً محدوداً، ويصب فيه عدد من الأنهار؛ فلا تتجاوز الملوحة فيه 14 في الألف وقد تنخفض إلى 11 في الألف.