مفاتيح سورة الجن

أولاً: اسم السورة

لهذه السورة من الأسماء :



1_ سورة: الجن(1).


وذلك : لاشتمالها على تفاصيل أقوالهم في تحسين الإيمان ، وتقبيح الكفر، مع كون أقوالهم أشد تأثيراً في القلوب العامة ، لتعظيمهم إياهم(2).


عدد: آياتها(5)
آياتها: (28) ثمان وعشرون آية.
كلماتها: (285) مائتان وخمس وثمانون كلمة.
حروفها: (959) تسعمائة وتسعة وخمسون حرفاً.

ترتيبها
أ_ في المصحف.
ب_ في النزول.. بعد: سورة "الأعراف" ، قبل سورة "يس".


سبب نزول سورة الجن
ك ، وأخرج البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، ولكنه انطلق في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعوا إلى قومهم، فقالوا ما هذا إلا لشيء قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم، فقالوا (يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا)، فأنزل الله على نبيه (قل أوحي إلي) إنما أوحي إليه قول الجن.(6).
وأخرج ابن الجوزي في كتاب صفوة الصفوة بسنده عن سهل ابن عبد الله قال : كنت في ناحية ديار عاد إذ رأيت مدين من حجر منقور في وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلى نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم اتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته، فسلمت عليه فرد علي السلام، وقال يا سهل: إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة لقيت فيها عيسى ومحمداً عليهما الصلاة السلام فآمنت بهما، فقلت له من أنت؟ قال من الذين نزلت فيهم (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) (6).

هدفها
إظهار الشرف لهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ حيث لين له قلوب الإنس والجن وغيرهما.. فصار مالكا للقلوب.
وذلك: لعظمة هذا القرآن ، ولطف ما له من غريب الشأن .
هذا: والزمان في آخره، وزمانه لبثه في قومه دون ربع العشر من زمن نوح عليه السلام، أول نبي بعثه الله تعالى إلى المخالفين، وما آمن معه، من قومه، إلا قليل(7).


صلتها بسورة نوح
1_ إذا كانت سورة "نوح" ( ركزت على العذاب الدنيوي للمعاندين : في مثل قوله تعالى (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً) (10)..!!
فإن سورة "الجن" قد ركزت على العذاب الأخروي: في مثل قوله تعالى ( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (11) وقوله تعال ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا)(12).
2_ إذا كانت سورة "نوح" : تحدثت عن نوح عليه السلام، وهو رسول سابق..!!
فإن سورة "الجن" : قد تحدثت _ هي الأخرى عن محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الرسول الحالي ، وإلى يوم الدين.
3 _ لما كان نوح عليه السلام، أول رسول إلي المخالفين من أهل الأرض ، وكان قومه عباد أوثان، وعصوه أشد العصيان ، مع أنع كان منهم نسباً ولسانا..!!
ولما ختمت دعوته بدعائه عليهم ..!!
ابتدأت هذه السورة بالأمر لخاتم الرسل إلى المخالفين من أهل الأرض، وكان قومه عباد أوثان، وعصوه ـ كذلك ـ أشد العصيان ، مع أنه كان منهم نسباً ولسانا ..!!
ابتدأت بـ(قل) وفيها الإشارة إلى ما كان من سهولة من سمع هذه الدعوة الخاتمة، الجامعة، من غير الجنس البشري،
فضلاً عن الموافقين من الجنس نفسه مع قصر الزمان، وضعف الأعوان . وكان ذلك : لجلالة هذا القرآن ، الذي تحدثت عنه وآمنت به ـ في هذه السورة ـ الجان .


تقسيمات السورة
تتكون هذه السورة من : قسمين فقط (13) .
القسم الأول .. عبارة عن "19" آية .
من الآية الأولى .. حتى نهاية الآية "19"
وفيه : مضمون كلام الجن ـ الذين هم السبعة نفر، من
جن نصيبين ، الذين قدموا مكة في عملية بحث عن أسباب كثرة الشهب، التي حالت بين الجن، وبين خبر السماء، فوجدوا نبي الله صلي الله عليه وسلم قائماً يصلي في المسجد الحرام، يقرأ القرآن ، فدنوا منه، حرصاً منهم على سماع القرآن، حتى كادت كلامهم تصيبه، ثم أسلموا ، وفيهم : نزل على رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أنزل الله من خبرهم في سورة "الأحقاف" ؛ وفي هذه السورة .
ومضمون كلامهم هذا : هو تخليص لما استوعبوه في جلستهم، من رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهم يسمعون القرآن دون أن يراهم صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا القسم أيضاً : تتميم من الله عز وجل لما فاتهم من معاني لها علاقة بالدعوة .
وكل ذلك : مما أوحي الله إلي رسوله صلي الله عليه وسلم .
القسم الثاني .. عبارة عن "9" آيات
من الآية "20" حتى نهاية الآية "28" وهي خاتمة السورة وفيه :
الأمر الإلهي لرسول الله صلي الله عليه وسلم : أن يعلن مجموعة أمور تكمل الإيضاح ، وتعرف علي شخصية الذي نزل عليه الوحي ، وخصائصها ، وواجباتها ،
وفي ذلك : إقامة الحجة على الكافرين من ناحية،
وأيضاً : دعوة للاستجابة والإيمان من ناحية أخرى .
حيث إن الأمر بإعلان هذه الأمور :
يبين للكافرين أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لا يدعي فوق مقامه، ولا يدعي أنه يملك نفعاً أو ضراً ، أو هداية أو ضلالا .
وإذا كان الأمر كذلك : فكيف يحارب من هذا شأنه ..؟ وكيف لا يفكرون في مضمون دعوته .. ؟


أبرز موضوعات السورة
اشتملت هذه السورة علي مقصدين : (14) .
1 ـ حكاية أقوال صدرت من الجن حين سمعوا القرآن كوصفهم له بأنه كتاب يهدي إلى الرشد، وأن الرب سبحانه تنزه عن الصاحبة والولد ، وأنهم ما كانوا يظنون أن أحداً يكذب علي الله، وأن رجالاً من الإنس كانوا يستعيذون في القفر برجال من الجن ، وأن الجن طلبوا خبر العالم العلوي فمنعوا ، وأن الجن لا يدرون ماذا يحل بالأرض من هذا المنع، وأن الجن منهم الأبرار ومنهم الفجار ، ومنهم مسلمون وجائرون عادلون عن الحق .
2 ـ ما أمر النبي صلي الله عليه وسلم بتبليغه إلي الخلق ، ككونه لا يشرك بربه أحداً ، وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، وأنه لا يمنعه أحد من الله إن عصاه، وأنه صلي الله عليه وسلم لا يدري متى يكون وقت تعذيبهم ، فالعلم لله وحده .


الهوامش والمراجع
1_ انظر السخاوي.. جمال القراء 1/38 ، الفيروزابادي.. بصائر ذوي التمييز 1/484 ، البقاعي.. نظم الدرر، الشوكاني.. فتح القدير، الألوسي.. روح المعاني: (س:72)
2_ القاسمي .. محاسن التأويل (س:72).
3_ انظر: السخاوي، البقاعي، الألوسي (مصادر سابقة).
4_ انظر: السخاوي (مصدر سابق).
5_ انظر: مكي.. التبصرة ص361، السخاوي.. جمال القراء 1/223، الفيروزابادي.. بصائر 1/484، نثر المرجان 7/528، الألوسي.. روح المعاني (س:72).
6_ لباب النقول للسيوطي.
7_ نظم الدرر 20/460 .
8_ انظر: الأساس 11/6178 .
9_ نوح 25.
10_ الجن 15.
12_ الجن 23.
13_ انظر : الأساس 11/6172 وما بعدها .
14_ تفسير المراغي 29/108 .