التسويق الدولي والمنافسة في مجال الإنتاج الزراعي والغذائي

مقدمة:من المعروف أن التجارة الدولية في مجال المنتوجات الزراعية قد زادت بمعدلات كبيرة خلال الخمسين عام الماضية من القرن العشرين.وان معدل 80% من المنتوجات العربية يتم إستهلاكها داخل الأقطار المنتجة لها.
*** تجارة العالم العربي للمنتوجات الزراعية:تعتبر الصادرات والواردات من المنتوجات الزراعية الغذائية جانباً هاماً من تجارة العالم العربي مع الدول الأجنبية,مع العلم أن نسبة ما يصدر من منتوجات زراعية إلي ما يستورد منها لا يشكل إلا 7% سنوياً, يضاف لذلك أن تزايد الإستيراد في العالم العربي ما زال يشكل عبئاً إقتصادياً كبيراً علي تسرب العملات الصعبة منها.كما يؤدي لزيادة عجز الموازنة منها, ومن المشاكل الاخري المرتبطة بهذا الأمر هو التناقص المستمر في إنتاجية الزراعة لكل دونم من الأرض وتزايد تكلفة المنتج الزراعي,ذلك نتيجة لإهمال المنتجين الزراعيين لأراضيهم وضعف الإستثمار في القطاع الزراعي بشكل عام من جهة وعدم وجود سياسات حكومية فعالة لدعم الإنتاج الزراعي. وتؤدي عوامل الضعف في الإنتاج الزراعي في الدول العربية لضعف قدراتها التنافسية في مواجهة مثيلاتها الاخري الأجنبية والتي تتمتع بالدعم الحكومي ,التكنولوجيا المتطورة بإستمرار,الإستثمارات المتزايدة والتشريعات المرنة المؤدية إلي توسع الأسواق.
تؤثر ظروف التجارة الدولية في مجال الإنتاج الزراعي الغذائي علي الكميات المنتجة والمصدرة من هذه الدولة أو تلك.بالإضافة إلي درجة التنوع الكبيرة في المنتوجات الزراعية المطلوبة وأسعارها من قبل المستهلكين المستهدفين في الأسواق الدولية.
*** الأسباب الاقتصادية للتجارة الدولية الزراعية:
من الأسباب الاقتصادية للتجارة في مجال الإنتاج الزراعي بما يأتي:-
1- عدم قدرة دولة واحدة علي إنتاج كافة المنتوجات الزراعية الغذائية التي يحتاجها المستهلكون فيها.
2- الدول التي يوجد فيها فائض من المنتوجات الزراعية أو السلع الغذائية المصنعة ,تحاول تصديرها للحصول علي عملات صعبة,تساعد علي لإستيراد سلع أخري ولتخفيض العجز التجاري في ميزان مدفوعاتها.
3- الدول ذات القدرات الإنتاجية العالية تستطيع أن تعدل موازين المدفوعات فيها لصالحها.
4- المستهلكين في هذه الدولة أو تلك قد يستهلكون كميات اقل أو أكثر من هذه السلعة الغذائية أو تلك, الأمر المحفز لتصدير ما يجب تصديره لعدم الحاجة له محلياً واستيراد ما تحتاجه محلياً.
5- الدول تستورد تلك المنتوجات الزراعية التي لا تستطيع إنتاجها محلياً ,بسبب إرتفاع تكلفة إنتاجها أو عدم صلاحية الأرض لزراعتها.
6- بعض الدول تنتج سلع لأنها تدر عليها ربحاً معقولاً والعكس صحيح. حيث التخصص في مجال الإنتاج الزراعي يوفر أرباح ومزايا إقتصادية ومالية.,وبعض المزايا الاقتصادية (كتوفر الأرض,المناخ,العمالة والمهارات الإدارية) التي تجعل مرونة التسعير للمنتوجات الزراعية النهائية لها عالية وذلك من ناحية أن تكاليف إنتاج وتسويق هذه السلع الغذائية والزراعية يكون معقولاً بالمقارنة مع الإيرادات المتوقعة منها.
7- تزايد المنافسة الدولية في مجال الإنتاج الزراعي ,لايشجع الدول علي الإنتاج بتكاليف عالية لصعوبة تسعيرها وتصريفها للأسواق المستهدفة من المستهلكين ذوي الإمكانات المحدودة.
8- تؤدي الاختلافات الملموسة في أسعار المنتوجات الزراعية في الأسواق الدولية ,إلي أن تختار دولة إنتاج صنف معين ولإستهلاكه محلياً أو تصديره للأسواق الخارجية بأرباح معقولة.
*** المزايا النسبية في مجال الإنتاج الزراعي: يتضمن مبدأ النسبية وجود عدد من المعطيات التي تمكن أي دولة من إنتاج وتصدير السلع الغذائية التي تم إنتاجها بفاعلية وتكاليف معقولة ,بالمقارنة مع المعطيات المتوفرة لدول أخري. ومن الناحية الإنتاجية يعني مبدأ الميزة النسبية" انه علي الدول أن تختار ذلك المزيج التسويقي الزراعي الذي يحقق لها قيم مضافة أعلي بالمقارنة مع الدول الاخري المنافسة".
ما تجدر الإشارة إليه أن التخصص يُمكن الدول المعنية من إدارة عملية التوزيع الأمثل لمواردها المالية والبشرية وحسب الأولويات المقررة لهذا البد أو ذاك. وقد تعترض بعض الإعتبارات السياسية إتباع مبدأ الميزة النسبية وذلك للمحافظة علي نوع من أنواع السيادة والإستقلال لهذا البلد أو ذاك. ومعظم الدول لديها مزايا نسبية في هذا المجال ,ولا يوجد لديها مزايا في مجالات أخري ,وذلك لأسباب موضوعية منها تنوع المناخ ,وجود مستويات مختلفة من التكنولوجيا الزراعية مطبقة في بلد ما وغير متاحة في بلد أخر.كما أن تباين تكاليف النقل بين الدول ومعدلات التبادل للعملات المحلية وسياسات الحكومات من الأمور الداعمة لمبدأ الميزة التنافسية في المجال الزراعي.
*** منافع وتكاليف التجارة الزراعية: بالرغم من الفوائد الاقتصادية للتبادل الدولي في مجال التسويق الزراعي ,إلا أن هناك فوائد وتكاليف يجب تحديدها ومعرفتها وهي كما يلي:
1) لابد أن تكون عوائد التبادل التجاري اعلي من تكاليفه,إلا في حالات محددة حيث تكون الأهداف المتوخاة سياسية.
2) المزارعين احياناً يتحملون تكاليف اعلي من اللازم ,إذا كانت سياسة الدولة ضد تصدير أية منتوجات زراعية للخارج ,وإجبارهم علي بيع منتوجاتهم بأسعار مخفضة لإنجاح سياسات اقتصادية أو اجتماعية في أوقات وظروف محددة .
3) قد يتحمل المستهلكون تكاليف اعلي عند شرائهم للمنتوجات الزراعية نتيجة إتباع سياسات تشجع تصدير المواد الزراعية للحصول علي أسعار اعلي وعمولات أجنبية.
يؤدي تطبيق مبدأ الميزة النسبية لتعظيم الفوائد المتحققة لكافة الأطراف في العملية الزراعية بالمقارنة مع تكاليفها الكلية عليهم جميعاً.وقد يكون من الصعب علي المزارعين تعديل إنتاجهم الزراعي طبقاً للتغيرات المتسارعة في شروط أو معطيات التنافس في الأسواق الدولية للمنتوجات الزراعية,ومن التكاليف المتحققة أيضاُ الإهمال الذي يحصل من بعض المنتجين الزراعيين في دول لا يتوفر فيها مزايا نسبية واضحة أو قوية.
*** سياسات التسويق الزراعي: تحاول الدول المُنتجة والمستوردة للمنتوجات الزراعية تطبيق السياسات الميسرة أو الضابطة لما يدخل إليها أو يخرج من حدودها من سلع زراعية. وقد تتضمن هذه السياسات إتباع سياسات حماية (حماية كاملة أو جزئية ) في حين تتبع مجموعات زراعية سياسات زراعية حرة وغير مقيدة.والدول التي تطبق سياسات التجارة الحرة تؤمن بأن هذه السياسة تساعدها علي الإستخدام الأمثل للموارد المتاحة زراعيا في مختلف دول العالمً,بالإضافة إلي أن التجارة الحرة تعمل علي رفع مستوي المعيشة لكافة الأفراد في دول العالم. لكن بعض الدول تحاول تجاهل هذه الفوائد من خلال تفضيل سياسة الحماية وفرض الرسوم الجمركية العالية علي السلع الزراعية ووضع قيود كبيرة علي الإستيراد ,ودعم السلع الزراعية المحلية بإمداد المزارعين بمعونات أو قروض ميسرة تساعدهم علي الزراعة,لكن هذه السياسة تؤدي لإختلالات وتشوهات واضحة في هياكل الإقتصاد الوطني للدول المطبقة لسياسة الحماية,مما يؤدي لزيادة الحاجة المحلية للإستيراد من الأسواق الخارجية في الاجل الطويل .
أما سياسات الإغراق فترتبط ببيع فوائض السلع الزراعية من قبل دولة ما إلي أسواق دول أخري وبأقل التكاليف الفعلية,وهو ما تمنعه قوانين منع الإحتكار وتشجيع المنافسة من جهة وبعض جوانب إتفاقيات الدول مع منظمة التجارة الدولية.
أما الإتفاقيات الزراعية الثنائية فتمثل شكلاً من أشكال التعاون بين دولتين وبشروط ميسرة. أما الأسواق أو المناطق الحرة للتجارة بين الدول فيمكن أن يكون بين دولتين أو بين مجموعة من الدول ,بحيث تُعفي منتوجات الدول المعنية بمناطق التجارة الحرة من الرسوم وغيرها .
*** المنافسة في مجال الإنتاج الزراعي: تلعب المنافسة دوراً حيوياً في مجال التنافس للسلع الزراعية ,ذلك أن السلوك التنافسي يساعد علي تنظيم النشاط الإقتصادي . كما يؤدي النشاط التنافسي لإيجاد مجموعة من الأسعار التي تؤثر علي سلوك البائعين والمشترين ,والتي تهدف إلي توزيع الموارد بشكل متوازن داخل السوق المستهدفة.كما تعتبر المنافسة التي تسلك الآليات الواقعية والمدروسة للمؤسسات الهادفة للربح من الإهتمام لإحتياجات والقدرات الشرائية للمستهلكين.
إن المنافسة تعتبر عاملاً هاماً لإحداث التغيرات في سوق الصناعات الغذائية عن طريق تحفيز المؤسسات لخفض التكلفة وتطوير تقنيات جديدة ومنتوجات مطورة وصالحة للإستهلاك ,ومن خلال إتباع إستراتيجيات تسويقية وترويجية لها مصداقية لدي المستهلكين. وتؤدي المنافسة لإيجاد عدد من المنافع وهي كما يلي:-
1- حرية المستهلك في الإختيار من بين السلع الغذائية المطروحة.
2- حرية الشركات في تطوير منتوجات جديدة وتوزيعها لاماكن إستخدامها.
3- حرية الشركات الجديدة للدخول لصناعة الأغذية وبتكاليف محسوبة وبما يعزز المنافسة.
4- حرية المُزارع في إختيار المنتوجات التي يريد زراعتها وكيفية إنتاجها وأين سيبيعها؟ وبأسعار معقولة.
5- حرية البائع والمشتري للمساومة والتوصل لتبادا يرضي الطرفين ومن خلال توفير معلومات كافية ودقيقة لطرفي المعادلة التبادلية.
تتصف أسواق المزارعين بمجموعة من الخصائص المرتبطة بظروف المزارعين أنفسهم ,بالإضافة لعناصر المزيج التسويقي الزراعي الاخري.ويقوم المزارعون بإتباع أساليب تنافسية مختلفة تتضمن إتباع سياسات إنتاجية مطورة,ومن إختيار الإستراتيجيات التسويقية الفعالة ,حيث يستخدم البائعون ميزة التمايز لزيادة جاذبية السلع بالنسبة للمشترين.وقد يتم التركيز علي أسواق معينة التي تكون احد وجوه المنافسة الغير كاملة,حيث يركز المنافسون علي أهدافهم ولا يشجعون ظهور منافسين جدد.ذلك بأن المنافسين الحاليين يتمتعون بقدرات لتخفيض التكلفة الكلية ,ومن خلال سيطرتهم علي المصادر الأولية للمواد الخام وإمكانية الحصول علي موارد مالية كبيرة ليتمكنوا من الحصول علي التكنولوجيا المتطورة. كما تعتبر المعلومات مصدراً لحالة المنافسة الغير كاملة,حيث تعتبر الإعلانات المضللة من الأمور المشوهة للعملية التنافسية وبعيداً عن التضليل فإن أغلبية المشترين والبائعين لا يملكون معلومات تامة ودقيقة عن السوق وهو ما يقلل من حالة المنافسة أيضاً.
*** خصائص المنافسة في أسواق الغذاء: لابد من توفر بعض الخصائص التي يمكن الحكم من خلالها علي المنافسة من حيث درجة فعاليتها ووجود شروطها,والنقاط هي:-
1. لابد من وجود عدد كاف من المشترين والبائعين,لإيجاد بدائل معقولة لهم .
2. وجود عدد غير قليل من الشركات المتنافسة المقدمة لأصناف الغذاء وتتيح للمشتري الإختيار الرشيد.
3. تجاوب المؤسسات العاملة في مجال الغذاء لأية تغيرات في أسواق الإنتاج الغذائي والإستهلاكي.
4. وجود حالة من التوافق والتحالف بين المتنافسين في مجال تصنيع وتسويق الغذاء.
5. حرية الدخول والخروج من السوق وبالتكاليف المألوفة.
6. حرية الإتصال بين البائعين والمشترين وعدم وجود معاملة خاصة لأي مجموعة علي حساب الاخري.
لكن من الصعب وجود هذه الخصائص بشكل كامل وعلي ارض الواقع في أسواق الإنتاج الزراعي أو الغذائي وذلك لسببين أساسيين هما:
الأول: تداخل وتعدد عناصر المزيج التسويقي الزراعي أو الغذائي .
الثاني: أن الظروف البيئية المحيطة بالعمليات الإنتاجية الزراعية والغذائية متغيرة بإستمرار.وبالتالي لا يمكن عملياً ضبط ظروف أو طبيعة المنافسة في هذا القطاع اللإقتصادي.