لقد عرفت العلاقة الوثيقة بين البيئة والأوبئة منذ القدم , ففي القرن السابع عشر تبين ان كائنات حية دقيقة تسبب امراضاً خطيرة مما ادى الى البدء في اتخاذ اجراءات لتحسين البيئة بهدف مكافحة الامراض السارية ( التي تسببها تلك الكائنات الحية الدقيقة ) مثل الكوليرا والحمى التيفودية والملاريا وحمى التيفوس وغيرها ولقد تطورت الاجراءات في عصرنا الحاضر فأخذت شكل البرامج الصحية التي تعنى بالعناصر الاساسية للبيئة التي تجنب الاصابة بهذه الامراض . فعلى سبيل المثال ظهرت جهات رسمية مهمتها التأكد من ان الماء نظيف صالح للشرب وان الحليب معقم خال من الجراثيم وان الطعام محضر بطريقة صحية وان الفضلات يتم التخلص منها بطريقة تمنع تكاثر الحشرات والجرذان .
وبهذه الطرق امكن التغلب على كثير من المشاكل البيئية التقليدية ذات العلاقة بالصحة في مناطق كثيرة من العالم وفي العصر الحديث برزت مشاكل بيئىة جديدة مختلفة عن التي سبقت معرفتها ومعرفة بعض اسبابها . فالملوثات البيئية الناتجة عن الصناعة والتطور الحضاري تشكل خطراً على الصحة العامة وأكثر ما يقلق هو وجود كميات كبيرة من المواد الكيميائية التي تلوث البيئة فالكيماويات التي تمثل في الواقع سمة الحضارة الحديثة اصبحت الان من هذه المواد ويتم تداول المئات منها تجارياً !
ولايعرف بشكل كاف تأثيرها على الصحة وتكمن الخطورة في زيادة عدد المواد الكيميائىة المستخدمة في دهان المنازل , والرصاص المضاف للبنزين , وهكذا فإن امراض القلب الناتجة عن اول اكسيد الكربون واضطرابات الاعصاب الناجمة عن الزئبق والمشاكل المتنوعة المتعلقة بالمواد الكيميائىة ومنها السرطان , يجب ان تحظى بالاهتمام . ولقد تبين بان هناك علاقة بين سرطان الرئة والغبار الناتج من بعض المصانع كما وجد نوع من سرطان الكبد ينتشر بين العاملين في تحويل ( الفينل كلوريد ) الى متعدد الفينل كلوريد وهي مادة من اللدائن ( بلاستك ) تستخدم في اغراض متعددة وعلى الرغم من ذلك فإن حجم المشكلة المتعلقة بالسرطان وبالمركبات الكيميائية في البيئة لم يتم التأكد منه بعد , ولقد ارتفعت نسبة الاصابة بالحوادث بمختلف انواعها , والوفيات الناتجة عنها , وكذلك التسممات والمخاطر الناتجة عن التوسع في استعمال المبيدات والمخصبات الزراعية كان من المتوقع ان يؤدى التقدم العلمي الى تمكين البشرية من التصدي للمخاطر البيئىة الحديث والامراض المتولدة عنها , ولكن التكنولوجيا الصناعية خلقت اوضاعاً وأ نتجت وسائل ومواد متنوعة لم تسبق معرفتها في الماضي , وزيادة على ذلك فإن نشوء الطرق الميكانيكية يسير ببطء مقارنة مع التقدم السريع للتقنية والتغيرات الاجتماعية في العالم المتقدم , مما يضعف من قدرة الانسان على التلاؤم مع المنتجات السامة والضارة للمواد الكيميائية والملوثات ويرتكز الامل في البقاء والصراع من اجل الحياة على الجهود المبذولة لمكافحة تلوث البيئة .