قد تكون الانهيـارات الجليدية مدهشة، ورائعة وجميلة وقاتلة في نفس الوقت. وقد
تجرف قطارات من فوق قضبانها، وتهدم المباني، وتقتلع الأشجار وتدفن الناس. بل إنّ بعض الانهيارات الجليدية غطّت بيوتاً بكاملها بمَن فيها من بشر. وعلى الرغم من ذلك تجيء الأخبار أنّ هذه الانهيارات حدثت من دون سابق إنذار. ما الذي تفعله إذا وجدت نفسك محاصراً بانهيار جليدي؟ وماذا يمكنك
فعله لكي تظلَّ حياً، وكيف تنقذ أشخاصاً دفنهم الثلج؟
لكي تعرف كيفية حدوث الانهيارات الجليدية تحتاج إلى معرفة كيفية تكوّن بلّورات
الثلج. تبعاً لدرجة الحرارة والرطوبة وأحوال الجوّ الأُخرى، يمكن أن تأخذ بلّورات الثلج أشكالاً مختلفة، لكنّها جميعاً تكون سداسية الأوجه. وفي المناطق التي تتراكم عليها كمّية كبيرة من الثلج يتكوّن ما يسمّى كومة
ثلجية يكون لطبقاتها صفات مختلفة تبعاً لأشكال البلّورات في هذه الطبقات. وتستطيع البلّورات سداسية الأوجه أن تتماسك بسهولة أكثر من البلّورات على هيئة إبر، ومن ثمّ تتكوّن منها طبقات أكثر استقراراً. ومن جانب آخر عندما يتلامس الماء شديد البرودة مع بلّورات الثلج في الهواء، يتكوّن الصقيع.
ويمكن لترسّبات الصقيع الثقيلة أن تكوّن ثلجاً على هيئة كريّات يسمّى "بَرَد". تتكوّن منه طبقة غير مستقرّة إلى حدٍّ بعيد.
وتغيّرات الطقس تؤدّي أيضاً إلى تغيّرات في كومة الثلج، فإذا ذاب سطحها ثمّ تجمّد من جديد، قد تتكوّن طبقة من الثلج الأملس الزلق. وإذا وصل الهواء الموجود فوق هذه الكومات مباشرة إلى درجة التكثّف، قد تنتج الكومة ندى متجمّداً، وهو بلّورات خفيفة ناعمة الملمس لا ترتبط بشكل جيّد بالثلج. وإذا تجمّدت
قمّة كومة الثلج ثمّ ذابت بشكل متكرّر، قد ينتج عن ذلك تجمّعات من الجسيماتالمتجمّدة مع وجود فراغات في ما بينها، ممّا يكوّن سطحاً غير مستقرّ للطبقة التالية من الثلج. وتحدث التغيّرات داخل كومة الثلج بسبب تدرّج الحرارة، أي الاختلاف في الحرارة بين الطبقات العليا والسفلى. يكون الثلج بالقرب من القاع دافئاً نسبياً (يقترب من صفر درجة مئوية) بسبب الحرارة المتخلّفة من الأرض، وتعتمد درجة حرارة الطبقات العلوية على درجة حرارة الهواء. ويحدث للندف الثلجية في كومة الثلج أنواع مختلفة من التشكّل تبعاً
لمدى التدرّج الحراري. ومع كومة ذات تدرّج حراري كبير، تميل البلّورات إلى تكوين طبقات رقيقة ولا يستطيع السطح المستوي للطبقة الرقيقة أن يرتبط بالأسطح الأُخرى، ويطلق على الطبقات الرقيقة الأكثر ثقلاً في كومة الثلج مسمّى "ندى متجمّد عميق" وهو ما يسبّب عدم توازن خطيراً.ووجود طبقات ضعيفة وأُخرى قوية في الثلج يجعل الانهيار ممكناً.
ولكلّ ذلك تتفاوت مدى قوّة أو ضعف الطبقات المكوّنة لكومة الثلج. فإذا كانت الطبقة الضعيفة عميقة في كومة الثلج، فإنّها تؤدّي إلى الانهيار على هيئة لوح حيث تنزلق هذه الطبقة على طبقة ثلج قاعدية، وتتحطّم كومة الثلج وتنفصل عن الجبل منزلقة إلى الأرض. وألواح الثلج الندية تسبّب انهياراً أكثر بطئاً
من الألواح الصلبة.
وتبدأ الانهيارات عادة على منحدرات جبل تميل على الأرض بزاوية تتراوح بين 25 و60
درجة. والانحدار بزاوية أقلّ من 25 درجة لا تنتج عنه انهيارات، والأكثر من60 درجة لا يعطي فرصة لتكوّن الألواح. ولا يمكن لارتفاع صوت - مثلاً - أن يحدث انهياراً جليدياً كما يظهر في بعض أفلام الصور المتحرّكة، لكنّ التغيّر في الطقس أو سقوط شجرة أو انهيار إفريز قد يسبّب الانهيار. وفور أن
يبدأ فإنّه يتواصل حتّى تستقرّ طبقات الثلج من جديد. وفور توقّف الثلج فإنّه يندمج بعضه في بعض ويصبح مثل الأسمنت. وهذا هو سبب خطورة الانهيارات على المتزلّجين والمتنزّهين والمركبات الثلجية، إذ لا يمكنهم إخراج أنفسهم من الثلج بالحفر ويضطرّون إلى الانتظار حتّى تأتيهم النجدة. لذلك يجب عدم
الخروج إلى المناطق التي يحدث فيها الانهيار أو تكون معرّضة لأن يصل إليها.
ويرتفع عدد ضحايا الانهيارات الجليدية في الشتاء، لكنّها قد تحدث في أيّ شهر في
السنة، وتهدّد حياة البشر والأبنية والأملاك، وقد تغلق الطرق وتغطّي قضبان السكك الحديد. ويمكن اتخاذ إجراءات للحماية من الانهيارات الجليدية مثل استحداث انهيارات خفيفة بالمتفجّرات أو بطلقات مدفعية في المناطق المهدّدة في حالة عدم وجود أحد على المنحدرات، بعد أن يجري الباحثون تجارب لمعرفة
تركيب طبقات الثلج. ويمكن اتباع تقنيات أُخرى للحماية من الانهيارات الجليدية مثل وضع أسوار وشباك وأعمدة ومراسٍ وأسيجة لتخفيف قوّة الرياح، كلّ ذلك لتغيير اتجاه تجمّع الثلج والإقلال من حجم الألواح. ويتمُّ أحياناًوضع عوائق مادّية في طريق الانهيار.
وتحدث الانهيارات الجليدية عادة على المنحدرات الناعمة التي لا تكسوها عقبات أو
أشجار، ولسوء الحظّ فإنّ هذه المناطق هي التي يفضّلها هواة التزلّج والنزهةومركبات الثلج، بل يتمُّ أحياناً تنظيم سباقات مركبات الثلج بسرعات عالية على هذه المنحدرات. ولكي تتجنّب خطورة الانهيارات الجليدية يجب أن تكون حذراً وتستمرّ في مراقبة الأحوال الجوّية. وفي كثير من البلدان يكون هناك
نظام تحذير ينبّه الناس إلى المناطق المعرّضة للانهيار. والكثير من هواة إقامة المعسكرات والإقامة في تلك المناطق لديهم خطوط ساخنة واتصال مستمرّ عبر صفحات الإنترنت للتجديد المستمرّ للمعلومات، إضافةً إلى توافر الدورات التدريبية لمَن يريد زيادة خبرته في الانهيارات الجليدية. ومن المعروف أنّ
الانهيار يمكن أن يحدث لموادّ أُخرى غير الثلوج، مثل مخلّفات البراكين، والطين. وتتغلّب كتلة أو وزن المادّة عادة على الاحتكاك الذي يحافظ عليها في مكانها. ويمكن للأمطار والثلوج الذائبة أيضاً أن تقلّل من كمّية
الاحتكاك، ما يؤدّي إلى الانهيارات الأرضية والصخرية.